مقالات

الخلل في منهجية تفسير المصائب

بقلم : م. عيسى الجعبري*

‎عند المصائب – كالزلازل والأمراض والحوادث – يبادر البعض للقول إنها (عقوبات)، بينما ينظر لها آخرون على أنها (رفع درجات)، ويميل فريق لوصفها بأنها عقوبات إذا مسّت من لا يحبهم أو لا يوافقهم، ويجعلها من باب (تكفير السيئات) و(رفع الدرجات) لمن يميل لجانبهم!
‎فما هو الأقرب للحق في ذلك؟
‎أقول – والله أعلى وأعلم – إن تقويم الأمور وفق النظرة السابقة فيه خلل وانحراف، وللأسف فإن (الهوى) يتحكّم في قسم منه، والذي أراه أن (المصائب) لا يُحكم عليها من حيث هي، ولا من حيث من أصابته، فهي تصيب الصالح والطالح، والطائع والعاصي، وليس من العدل أن نعدّ (المرض) إن أصاب أحبابنا رفعًا لدرجاتهم وتكفيرًا لسيئاتهم، وإن أصاب غيرهم فهو عقوبة، بسبب ذنوبهم وما اقترفته أيديهم.
‎هذه المصائب قد تكون عقوبة وقد تكون منحة، وقد تكون مصيبة وقد تكون نعمة، ولكن ذلك لا يرتبط بـ (شخص) من أصابته، وإنما بطريقة تفاعله مع ما أصابه.
‎المقصود؛ بغض النظر عمّن أصابته المصيبة:
‎إن صبر وأطاع الله تعالى فيها، أثناءها وبعدها، فأقرّ في قلبه بالتسليم لربه، والرضى على بلائه، أو الصبر، ولم يسخط، ولم يعترض، وحاول أخذ العبرة مما أصابه، فلا شك أنه نجح في هذا (الامتحان)، وبالتالي فإن (مصيبته) تكون نعمة ومنحة، وإن أتت بشكل البلاء، إذ ستكفَّر بها سيئاته، وتُرفع بها درجاته، ويتقرب من خلالها إلى ربّه.
‎أما إن كان ردّ فعل الشخص على ما أصابه أن يسخط على ربه، ولا يصبر على بلواه، بل ويعصي ربه خلال ابتلائه، فهذا قد (رسب) في امتحانه، وكانت (المصيبة) له عقوبة فوق عقوبته التي تنتظره يوم القيامة.
‎وقد روي عن سلمان الفارسي أنه زار صديقًا له، فقال له: “إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه، فيكون كفارة لما مضى فيُستعتَب فيما بقي، وإنّ الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقلوه أهله ثم أطلقوه، فلا يدري ‌فيم ‌عقلوه حين عقلوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه”
‎فالمسألة – في كون المصيبة – عقوبة أم لا تدور حول كيف تتفاعل معها، ولذا قد يصيب الزلزال بلدًا فيتضرّر منه اثنان، جاران أو أخوان، فيكون (مصيبة أخروية) لأحدهما و(منحة أخروية) للآخر، وقد يرقد شخصان على سريرين متجاورين في المشفى، وهما مصابان بنفس المرض، فتزيد حسنات أحدهما كل يوم، وتزيد سيئات جاره كل يوم.
‎أسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم المصائب، ويرزقنا العفو والعافية

* كاتب وباحث إسلامي فلسطيني.

* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق