مقالات

من إيفانكا إلى كامالا .. ما هو المفيد للعرب؟

ياسر أبو هلالة

كما افتتن عرب بإيفانكا ترامب، بنت الرئيس الأميركي، يفتتن عرب بكامالا هاريس، والتي أعلنها المرشح الديمرقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، جو بايدن، نائبة له. وبدأت شائعات عن أصول كامالا العربية، مع أن أمها المهاجرة الهندية ،سمّتها على اسم زهرة اللوتس بالهندية،وهو اسم إله هندوسي، أيضاً زوجها يهودي، وهي معارضة لحركة مقاطعة إسرائيل ،ومتحدّثة في “إيباك” (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية)، وكانت من الموقّعين على قرار مجلس الشيوخ في عام 2017 ،الذي وبّخ إدارة الرئيس السابق، أوباما، على تأييد قرار مجلس الأمن المعارض للاستيطان.
إذن، هندوسية وصهيونية؟ لاهي عربية ،ولا مسلمة، ولا هندوسية ،ولا صهيونية، هي سياسية أميركية لها مواقف تقدّمية، لكنها تتراجع عنها ببراغماتية وفق حسابات المصالح العامة والخاصة، وحتى تقدّميتها عليها مآخذ ،عندما عملت مدّعية عامة. هي في الوسط الديموقراطي، وليست بيسارية بيرني ساندرز ،ولا بيمينية جو بايدن، لديها قيم أميركية ،تربّت عليها في أسرة مهاجرة مكافحة.
بالمقارنة مع إيفانكا، تجدها أقرب إلينا عرباً ومسلمين. صحيحٌ أن كلاً منهما تزوّجتا بيهودي، لكن ثمّة فرقاً بين يهودي لا تُعرف له مواقف سياسية صهيونية ،والصهيوني المتطرّف الداعم للاستيطان، جاريد كوشنر، صاحب صفقة القرن (أين صارت بالمناسبة؟). فرق بين بيت مهاجرين يناضلون في سبيل الحقوق المدنية، ونصّابين يتاجرون في العقارات.
بعد أن لوّع ترامب العرب والمسلمين في سياساته ،أو حماقاته، سواء في دعمه المجانين الثلاثة : نتنياهو، ومحمد بن سلمان ،ومحمد بن زايد، في المنطقة، أم مواقفه المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين في أميركا، بدا أن جو بايدن ونائبته ،هما المنقذ للمنطقة. وهذا إلى حد ما صحيح.
تحظى دولة الاحتلال الإسرائيلي، منذ نشأتها، بدعم أميركي على اختلاف الرؤساء، واليهود جزء أصيل من النسيج الأميركي، ثقافة وتاريخاً وسياسة، ولكن أميركا لم تعرف رئيساً مثل ترامب في تأييده اليمين الصهيوني المتطرّف، سواء في نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، أم دعم الاستيطان، وصولاً لما عرفت بصفقة القرن، وهذه تراجع عن كل مبادئ السياسة الخارجية الأميركية في الصراع العربي الصهيوني.
لن تزور كامالا غزة وتحتضن أبناء الشهداء، ولن تستقبل إسماعيل هنية في البيت الأبيض، لكنها لن تجبر الدول العربية على قبول “صفقة القرن”، وستعود إلى الحديث الأميركي الممل عن حل الدولتين. لن تجلب محمد بن سلمان إلى العدالة الأميركية، لكن موقفها الموثّق من جريمة اغتيال جمال خاشقجي يُلجمه، غرّدت على حسابها الرسمي “يجب أن تحاسب السعودية على مقتل جمال خاشقجي وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن”، وصوّتت ضد بيع السلاح للسعودية.
تتنفّس المنطقة ،عندما يخرج ترامب من البيت الأبيض، لأن المجانين الثلاثة سيفقدون غطاءهم الأميركي، تماماً كما تتنفّس أميركا، التي أغرقها في انقسام أهليٍّ غير مسبوق. والمستفيد الأساسي من انتخاب كامالا، هو المواطن الأميركي من أصول أفريقية، والذي شكّل ترشيحها إعادة اعتبار له.
مجرّد ترشيح كامالا هاريس، مفيد لنا، لأنه يقدّم نموذجاً للفتاة في منطقتنا ،التي يُمنّ عليها بمنحها رخصة قيادة سيارة، وفي المقابل، تتعرّض الناشطة السعودية، لجين الهذلول، التي طالبت بذلك، للاعتقال والتعذيب والتحرّش. وفي سيرة كامالا، كما نشرتها مجلة نيويوركر، قصة ملهمة لفتاةٍ تشبه فتيات العالم العربي، شكلاً ومعاناة وعصامية (عكس إيفانكا).
في دعاياتها الانتخابية، نشرت صورتها وهي ذاهبة إلى المدرسة الحكومية “هذه الفتاة أنا”. وفي حديثها عن والديْها المثقفين اللذين ربّياها على النضال، تقول: عندما انفصلا وتقاسما الثروة ،كانت الكتب الشيء الوحيد الذي اختلفا عليه، وعندما كان والداها في الجامعة، شاركا في المظاهرات والاحتجاجات ضد حرب فيتنام. وكانت والدتها مصمّمة على أن تنشأ وأختها “فتيات سوداوات واثقات”. قالت: “فكرة النضال متأصّلة فينا من أمهاتنا اللواتي سردن قصصهن”. وصفت ترامب بأنه حيوان مفترس، ولا بد من إخراجه من البيت الأبيض، وهو وصفها بأنها “الأتعس، الأفظع، الأقل احتراماً” في مجلس الشيوخ، فهل ستنجح في إخراج الحيوان المفترس من البيت الأبيض؟ هذه المعركة بمعزل عن نتائجها، مفيدة لمنطقتنا التي تشكّل حديقة حيوانات مفترسة، أفلتها ترامب بلا سياج. المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق