مقالات

الغنّوشي في عقده التّاسع… الشهادة هي التي تليق به

بقلم : نصر الدين السويلمي*
في الظاهرة الغنّوشيّة بالذّات ،دعونا من قيس سعيّد، ليس غير صبّاب ماء على اليدين.. أكبر عدو للغنّوشي هي أم جميل ،واجهة المنظومة القديمة في شقّها المسموم الشّره للقمع والتسلّط الذي لن ينسى للغنّوشي صراعه الطويل مع بورقيبة وبن علي، وصعود حزبه، حين أفل حزب التجمّع، والكلّ تابع الحرب المدعومة التي شنّتها أم جميل ومن معها على الغنّوشي وما زالت تشنّها.
أمّا العدو الأكبر من شقّ التجمّع المسموم،فهو شقّ يسار الاستئصال ورأس حربته ، طبعا مع المخاط الفرانكفوني الذي تناغم مع فرنسا في كراهيّتها العتيقة المعتّقة للإسلام. وبما أنّ سعيّدا لا يتعدّى الفاصل النّشاز الذي سيغرب عن هذا الوطن ، ولن يطول به المقام، فإنّ أصل المعركة ضدّ الغنّوشي طويلة عميقة منذ سبعينات القرن الماضي، لكن المثير أنّ خصومه الذين يقايضون سعيّدا برأس الغنّوشي أو حريّته ،مقابل التغاضي عن الفصل الخامس من دستوره وعن سلطة الرئيس المطلقة، أو سلطة ما فوق المحكمة الدستوريّة، يجهلون أو يتجاهلون أو يتعامون عن الحقيقة التي تفيد بأنّ الرّجل في عقده التّاسع وأنّه نحت صورته في العالم الإسلامي وانتهى الأمر، وأنّ كلّ ما يمكنهم القيام به هو المزيد من تدثير تاريخه، فعداوة أعداء الهويّة للغنّوشي مزيّة له ورصيد جديد في سلّته،تماما كما عداوة أعداء الحريّة أرباب الشموليّات والقمع لرجل العقد التّاسع.
إنّه وإذا ما كان القرضاوي والغزالي روّاد التجديد في الفقه الإسلامي المعاصر، فلا ريب أنّ الغنّوشي رائد التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، وهذا ليس في حاجة إلى اعتراف ثلّة من الوطد وأخرى من صنّاع بن زايد وثالثة من الأحذية المعسكرة، وطائفة غبيّة من ضحايا إعلام العار المحارب لكلّ ما يمتّ لهويّة البلاد وثوابتها بصلة، هذا باعتراف الحالة الإسلاميّة في باكستان 221 مليون نسمة، وأندونيسيا 270 مليون نسمة ،والهند 172 مليون نسمة، وبنغلادش 165 مليون ،وتركيا 85 مليون، والحالة الإسلاميّة في أوروبا والبلقان والقوقاز… هذا بشهادة الكتب التي تُرجمت والمحاضرات التي أُلقيت.. وهذا بشهادة الاقتراحات التي طرحت اسم الغنّوشي العام 2012 لخلافة التركي أكمل الدّين إحسان أوغلو على رأس الأمانة العامّة لمنظّمة التعاون الإسلامي، وهذا بشهادة رحلة طويلة من اللقاءات والمحاضرات، تلك التي لم تبدأ في دافوس ،ولا هي انتهت في بومباي ولا بكين…
دعونا من الإطناب ،فرحلة الرّجل أكبر من تغطيتها في مقال عابر، ويمكن الاطلاع عليها قريبا في كتاب سيصدر عن الدكتور أندرو مارتش من إكسفورد البريطانيّة (اختصاص العلاقات الدوليّة وأستاذ العلوم السياسيّة في جامعة ماساشوستس الأمريكيّة)، الكتاب الذي سيترجم إلى عدّة لغات، بعد اعتماد الغنّوشي كواجهة للفكر الإسلامي المعاصر، وكنموذج للثابت والمتطوّر في علاقة الإسلام بمحيطه الدّاخلي والخارجي.
أمّا عن رأيي الخاصّ ،ومع احترامي للغنّوشي كأحد كبار روّاد الفكر الإسلامي المعاصر ،وقناعتي بأنّه رائد الدّمج بين النّظري والعملي ،إلى جانب البروفسور نجم الدّين أربكان، إلّا أنّي أقدّم مصلحة الدّعوة ورصيد الفكر الإسلامي والتطلّع لتمكين تونس من رمز عربي إسلامي آخر يحمل اسمها إلى جانب رموزها، كابن خلدون وخيرالدّين وابن عاشور والخضر حسين، أقدّم أسهم المدوّنة الإسلاميّة والباكورة التونسيّة على شخص الغنّوشي، وعليه ورغم دعوتي للرجل بالسّلامة، إلّا أنّي أتمنى أن ينهي حياته بشهادة في سبيل الله ،ليقيني أنّ تاج الشّهادة ارتقى بأسهم قامات مثل البنّا وسيّد وياسين والشّقاقي ومرسي.
نتوقّف عن الكتابة ونخلد للعجب! عندما نكون بصدد الحديث عن قضايا كبيرة، كمستقبل الفكر الإسلامي ،وشخصيّات كبيرة في حجم روّاد التجديد، ثمّ يخرج عليك أحد الرويبضة لا يحسن يقرأ الفاتحة ،ويعتقد أنّ سورة الإخلاص اسمها سورة قل هو الله أحد، ثمّ وبلكنة ركيكة ثملة يقول “سنخرج الغنّوشي من الباب الصغير” !!! لقد تأخّرت كثيرا أيّها “الخِنّوْص” الصّغير، ءَآلْآنَ وقد أبحر الرّجل في عقده التّاسع؟! لقد فاتكم القطار.. بل فاتتكم الكرّيطة.. بل فاتكم حتى الحمار.

  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
  • كاتب تونسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق