مقالات

ابن تيمية … مطلوبٌ على كلِّ المحاور !!!

بقلم : إبراهيم العسعس

هذا الرجلُ رحمه الله،هو الذي أعادَ إنزال الإسلام إلى الأرض، بعد أن حصرته الخُرافة والسلبيةُ والتديّن الفردي في السماء ! وهي عنوان الرسالات ، وأساس الدين الذي أُرسِلَ به محمد صلوات الله وسلامه عليه ! فكان بهذا _ وبحق _ مُجدِّد خطِّ النُّبوة ، ومُحيي إرثَ الدعوة ، والدليل على أنَّ هداية نُبوَّة الإسلام لا تزول بموت رسولها صلى الله عليه وسلم .
وكان _ بِصدقٍ _ صِدِّيقَ الأمَّةِ الثاني ، الذي ردَّ به الله تعالى انتكاسات لا انتكاسةً واحدة ! وكان _ بوضوح _ فارُوقَها الآخر الذي حَسَمَ بيان طريق الهداية !
ابن تيمية رحمه الله ،مُجدّد خمسة قرون لا قرناً واحداً ؛ فهو خلاصة تاريخ علميٍّ مُدَّتُهُ هذه القرون الخمسة .
وقف الرجل على رأس المئة السابعة يُنخِّلُ ميراث قرون ، ويصنع لها مِعياراً لتلتقي عليه أمةٌ مزّقتها الخلافاتُ العَقدية ، وزرعت منها التعصّباتُ الفقهية أُمَمَاً داخل الأمةِ الواحدة !
قدَّم رحمه الله مشروعاً للوحدة في العقيدة والشريعة معتمداً على معيار واضح ، وصاح في الناس برفع المَلام عن الأئمة الأعلام ، وقال : اشهدوا أني لا أكفّر مسلماً يحافظ على الوضوء .
هذا الرجل وسَّع مفهومَ العبادة الذي ضَيَّقتهُ قرونُ الإنسحابِ من الحياة ، وتركِ الاشتباك معها لأولي الأمر .
هذا الرجل،هو الذي قرَّرَ أنَّ التوحيد أكبر وأوسع من مجرد تجريد الكتب لإثبات وجود الربِّ سبحانه وتعالى، بل لا بدَّ أن يشتمل على تجريد الخضوع لله تعالى بأفعال العباد، وأنه لا يتمُّ التوحيد إلا بهذا ، فهو التوحيد الذي أُرسِلت من أجله الرسل .
هذا الرجل، مشروعُ إحياءٍ للأمة ، حتى إننا لو قلنا لصدقنا : إن الإسلام قبل ابن تيمية رحمه الله غير الإسلام بعده ! وإن الإسلام به رحمه الله هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي حورِب من أجله .
هذا الرجل هو _ لمن لا يعرف _ أصلُ الحركة الإسلامية _ بأطيافها كافة_ منذ قرنين من الزمان .
وهو المسؤول الحقيقي عن مشروع إخراج الإسلام من المسجد .
ومن أجل هذا ، ومن أجل كل ما سَبق، فإن هذا الرجل مطلوب حيَّاً أو ميِّتاً، لأنَّ الرِّدة المُعاصرة تريد إعادة الإسلام إلى المسجد ، وتريد عقد تحالفٍ مع الاستعمار والاستبداد !
هذا الرجل، مطلوب على كل المحاور ، وعلى كل الموانئ ! مُحارَبٌ بكل الأسلحة ! مُلاحقٌ من الجميع ؛ من الأغبياء ، والحاقدين … من القاصدين ، ومن المُغيّبين .. من أصحاب القرار في العالم ، ومن المتوهّمين أنهم يدافعون عن الإسلام ! من الإسلام الرسمي الذي يَضيق بمنهج النقد الذي أحياه هذا الرجل !
والمُغفّلون الذين يحاربونه من أجل مسائل أحياها يظنون أن مَن يوظفهم _ أدركوا أم لم يدركوا _ قلقٌ على التنزيه ، حريص على عدم تشبيه الله بخلقه !
ولعلّ الأيام القادمة حُبلى بملاحقة من يقتني كتبَهُ ، ومن يحمل مشروعه !
رحم الله ابن تيمية ، ويسَّرَ الله للأمُّة : أبناء تيمية لإحياء مشروعه المتكامل ، المُقنع للآخرين المخالفين ، والمُصحّح لأخطاء المُحبين والذين لم تخلُ أفعالهم من إساءة له رحمه الله تساوي ، أو تتجاوز _ أحياناً _ إساءات الخصوم !
ملاحظة في غاية الأهمية : هذا المقال لا يتحدّث عن خيارات ابن تيمية رحمه الله في العقيدة والفقه ،ولا يقصد تصحيحها ولا ترجيحها . وهو بالضرورة ليس رفعاً للرجل عن درجة مَن يؤخذ منه ويُردُّ عليه

*كاتب وباحث أردني

– (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق