مقالات

مقابلة” الجزيرة” تفضح ” الطبّوبي” والاتحاد الوطني التونسي للشغل

بقلم: عماد العبدلي

خوفا على مصالحه مع قيس سعيّد ،بسبب تصريحات ماهر مذيوبى، فهم منها أنها تورّطه، طلب نورالدين الطبّوبي (لأول مرة كما يقول)،التدخّل على قناة الجزيرة، لتوضيح مضمون مكالمتهما، مؤكّدا أنه هو الذي اتصل بقيس سعيّد، للتداول بشأن استحقاقات اجتماعية، سيناقشها الاتحاد مع “رئيسة الحكومة” (التي وجد لها الطبّوبي عذرا أن حكومتها، ما زالت قد حطّت رحالها!).
وبالرغم من إصرار مذيع الجزيرة ، على إعطاء طابع سياسي للحوار معه،إلاّ أن الطبّوبي تحصّن وراء خطاب خشبي،محوره أن لا عودة لما قبل 25 جويلية(يوليو)٢٠٢١.
ولم يفت الطبّوبي، أن يؤكّد أن تصريحات سامي الطاهري ،حول غلق الباب تماما، أمام عودة البرلمان ،هي تصريحات تمثّل قيادة الاتحاد، بما يعني تموقعه التام، ضمن خيارات الانقلاب،واستهزائه بكل النداءات السياسية والمواطنيّة (ومنها ما صدر عن حراك مواطنون ضد الانقلاب)،التي لا زالت ترى للاتحاد دورا في إيجاد مخرج توافقي،لإعادة الشرعية الدستورية ،ولو بشكل مؤّقت، بانتظار تجديد المؤسسات السيادية، عبر انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها.
هكذا فضحت قناة الجزيرة قيادة الاتحاد، في هدية مجانيّة من الطبّوبي، الذي لم يكن يستطيع النوم ،قبل التكفير عن ذنبه تجاه قيس سعيّد.
لقد أكّدت تصريحات الطبّوبي على قناة الجزيرة، لمن لا يزال يشك،أن أجندة الاتحاد،لا علاقة لها بالديمقراطية ،ولا بتطلّعات الشعب ،لاستعادة الشرعيّة والمؤسسات.
هذا السياق، أعادني إلى تدوينة كتبتها قبل سنوات عنوانها: الاتحاد آلة عمياء لضرب الثورة، فكفّوا عن تمجيده.
وتوالت السنوات، وفي كل بزوغ فجر جديد في هذا الوطن الجريح، خيانة جديدة لعصابة “الاتحاد” التي تتصرّف كدولة داخل الدولة، أو داخل اللادولة ،كما هو التوصيف الأسلم للوضع الحالي.
فها هو الاتحاد يغيب كما عادته عن حراك المواطنين الشرفاء، الذين يقارعون الانقلاب، ثم يمدّ له ما يشبه حبل النجاة ،عبر الاتصال بين الطبّوبي، ومتوحّد قصر قرطاج.
وقد ورد بالصفحة الرسمية للاتحاد العام التونسي للشغل ،أنه “تم اليوم اتصال هاتفي بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد والأمين العام نورالدين الطبّوبي، وتناولت المحادثة الوضع العام في البلاد ،وأهمية الإسراع بمواصلة مسار 25 جويلية( يوليو)، ليكون فعلا فرصة تاريخية للقطع مع عشرية غلب عليها الفشل”.
والترجمة الحرفيّة للفرصة التاريخية المشار إليها في التصريح الآنف ذكره، هي إمعان الاتحاد في محاولة صياغة المشهد السياسي،وكأنه حزب سياسي،أو سلطة حاكمة.
ولذلك ألوم على حراك “مواطنون ضد الانقلاب “، ومبادرتهم الديمقراطية، أنها أعطتها لهذه الماكينة المخرّبة دورا لا تستحقه.
فمن حق تونس ، أن تتخلّص من سطوة الاتحاد،الذي أمعن في تخريب البلاد بالإضرابات في فترة سابقة، قبل أن يصيبه شلل النزول إلى الشارع بعد الانقلاب.
حكاية الاتحاد المناضل والوطني، هذه خرافة لم تعد نتطل على أحد.. أما ما يقال عن عراقة الاتحاد ، فإن عراقته الوحيدة منذ الحبيب عاشور، وملفاته مع وسيلة، هي في مداهنة السلطة… فمنذ مؤتمر 1989 بسوسة، بإشراف منصر الرويسي، ليس في هذا التاريخ أية عراقة ،عدا بعض النضالات الجهوية …
فالصفحات المشرقة في تاريخ الاتحاد قليلة، والسواد هو الغالب على بقية الصفحات: فعدا عن المرحلة الأخيرة من حكم الديكتاتور الأكبر بورقيبة، والتي شهدت انتفاضة 1978 و 1984، و التي يعرف المؤرّخون أنها مشوبة بكثير من الحسابات الضيّقة بين بورقيبة و قيادة الاتحاد في ذلك الوقت،والتي كانت ممثّلة في هيئات الحزب الاشتراكي الدستوري.
عدا عن هذه المرحلة، فالاتحاد كان منظّمة تسير في ركب السلطة،وخاصة في زمن المقبور بن علي، والذي أغدق على قيادات الاتحاد كل الامتيازات، مقابل السكوت، وعدم خوض أي احتجاجات تتجاوز الاطار النقابي الضيّق والمحدود.
اما بعد 2011، فلا يتّسع المجال لإثبات أن الاتحاد، كان أحد أكثر الفواعل سلبية في تخريب الثورة.
الله يرحم الفاضل بن عاشور وفرحات حشاد، و بقية المناضلين الصادقين، وهم قلّة في موج متلاطم من الوصوليين و الخونة …
الله يرحمهم، ولكن هذه المنظّمة، صارت وكرا لكل الفظائع: فالفظاعة فيها، و ليس في تركها، إذ لا أمل يرجى في إصلاحها، بعد هذا التاريخ الطويل من الخيانات …
هل توجد في تونس، هيئة أو منظمة أفسد من الاتحاد، ومع ذلك لم تفتح يوما ملفا من ملفاتها للمحاسبة!
و من غرائب الزمان، أن الذين يجعلون من الاتحاد العام التونسي للشغل ،طرفا لا مفرّ منه في تشكيل أي مشهد سياسي بتونس، ينسون أو يتناسون، أن الاتحاد ايّا كانت قراءتنا لتاريخه المليء بزوايا مريبة لا تعدّ ولا تحصى، لا يمكنه أن يصبح دولة داخل الدولة ،ولا مؤسسة خارج المساءلة.

فالتوتر” البافلوفي” العنيف، الذي يرافق أية مساءلة، أو توقيف لنقابي محل شبهة، أو التهجّم الوضيع على كل سياسي، يتجرّأ على انتقاد الاتحاد (عماد الدايمي، سيف الدين مخلوف) ،يبيّن أن الذين يتحرّكون، ضمن هذا العنف المركّز الذي يصل حتى التهديد بالقتل،إنّما يخشون على امتيازات لم يعد من الممكن التغاضي عنها.
شخصيا، حكاية الاتحاد المناضل،الذي لا يمكن المساس به ،هي خرافة لم تعد تنطلي على أحدٍ ، وأنا مستعد لمناقشة أي كان بهذا الشأن،في أية مناظرة إعلامية حرّة.
هل توجد في العالم نقابة تعيش بنظام الاقتطاع الاجباري،ثم تظل مرتهنة في يد زمرة من الاستئصاليين والفاشلين،من امثال:العباسي، وجراد ، والطبُوبي وغيرهم كثير ؟!
أليست الفضائح المنشورة هنا وهناك، تكفي لمساءلة ومحاسبة هؤلاء السرّاق الفاسدين من قيادات الاتحاد، ولكنها لا تفعل شيئا، و يقرفنا القسم الغالب من السياسيين وحتى المناضلين، من المجتمع المدني بالتطبيل للاتحاد، وعراقته،ودوره الوطني،والحاجة إليه …
كما أن إصرار الاتحاد على لعب أدوار سياسية لا تعنيه، و على البقاء فوق أية مساءلة، هو وضع ولّى، ولا يمكن القبول به.
لا أحد يدعو إلى حل الاتحاد، و لا إلى تفكيكه، و لا إلى إضعافه ، وإنما الدعوة هي فقط، لتحوّله الى مؤسسة ديمقراطية وشفّافة، خاصة في ضوء ما يعرف عن البذخ الرهيب، الذي تعيش فيه قيادته المركزية (وحتى الجهوية).
ولذلك، إذا سمعتم أو قرأتم لأحد،يريد أن يجعل من الاتحاد مؤسّسة مقدّسة، ذات سلطة بابويّة تجعلها فوق كل مساءلة بشرية، فاعلموا يقينا أنه متعشّم بشكل أو بآخر، من الصناديق السوداء الكثيرة التي تتحكّم فيها قيادات الاتحاد المتعاقبة،من أجل الاستمرار في لعب أدوارها السوداء في تاريخ تونس.
يجب أن يعرف الناس هذا التاريخ ودون تأخير، و لا بد أن يعود الاتحاد إلى حجمه الحقيقي ،وخاصة أن لا تكون له أي دور في رسم المشهد السياسي الجديد، لأنه أول من هادن الانقلاب وسايره، قبل أن يقفز من سفينته الآيلة للغرق.وما دمنا نداهن هذا التاريخ، فسيظلّون على عنجهيتهم و تطرّفهم.

سياسي تونسي

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق