مقالات

النموذج القطري المميّز في كأس العالم

بقلم : عبدالهادي راجي المجالي*
نشرت قطر أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلّم, وآيات قرانية باللغتين العربية والإنجليزية، على اللوحات الإعلانية والجداريات , حتى يقرأها الذين يأتون لمشاهدة كأس العالم …حسنا نحن لم نترك دعاية شامبو ولا مجوهرات، ولا مذيعة، تبث برامج (مايصة) ..ولا أنواع (مكياج) ..أو (دالاس ) للسياحة والسفر ..إلا ونشرناها على جدران عمان ..
قطر أعادت انتاج الهوية ورسّختها، وأنتجت ثقافة خاصة بالدولة ..انظروا لأسماء الملاعب : ملعب الثمامة , ملعب أحمد بن علي , ملعب البيت , ملعب لوسيل ..الخ , نحن ألغينا كل الأسماء العربية ..حوض المدينة الطبيّة حوّلناه للبزنس بارك , العبدلي حوّلناه للبوليفارد , شارع الشهيد وصفي التل حوّلناه للجاردنز , حوض الفقّوس حوّلناه للسيتي مول …حتى ملامح وجوهنا طمسناها ..
قطر قرّرت أن يكون الدشداش والشماغ ، هو اللباس الرسمي لهذه المناسبة , ويمنع على أي قطري أن يرتدي الربطة وبدلة العمق , ونحن في مناسباتنا الوطنية : تصبح ماركات : ( فانجلز , مسيمو دوتي , دورشستر , بالي …الخ) هي الرائجة والمعبّرة عن الضمير الوطني .
قطر اعتزت (بالبرقع) والعباءة التي ترتديها النساء هناك , ستشاهدون الألوف من العباءات السود في استاد الثمامة , والألوف في الشوارع …ونحن صارت المدرقة زيّا تراثيا يشتريه السائح الأجنبي فقط , والعصابة التي توضع على الرأس مجرّد صور لفنان مهووس بتصوير التراث , والمجند وثياب البادية صارت زيّا تاريخيا أيضا يستعمل في مكاتب السادة الوزراء لصبّ القهوة .
قطر وظّفت المال والغاز والرمل ومراكب صيد اللؤلؤ , وكل التراث البسيط لإنتاج هوية للدولة، ونحن وظّفنا المال والخصخصة , واستوردنا كل (داشر عابر) …ووظّفنا الريادة , والمؤسسات , والليبرالية , والتكنوقراط ..فقط لطمس الهوية , صرت تائها لا اعرف أين أقع على الخارطة، صرت تائها بين نفسي ونفسي ،وكأني انتجت انقلابا على نفسي وهزمت نفسي .
قطر استوردت العقل , ونحن كل عقل أردني (مفتّح) صدّرناه لهم …هرّبنا أولادنا من البلد , قطر في كأس العالم قرّرت أن تدفع نفقة عودة كل قطري يدرس أو يعمل في الخارج , كي يشاهد كأس العالم ..ونحن أنتجنا قتيبة الذي وصل أقصى طموح له : الحصول على فيزا والهروب لأمريكا ..
قطر فتحت حدودها للسوري واللبناني والصومالي واليمني , ومنحتهم أجورهم كي يبنوا المرافق ويعملوا في الدولة , ونحن فتحنا حدودنا أيضا .. وطلبنا معونات باسمهم وبنينا لهم مخيمات , وأحضرنا وزراء الخارجية في أوروبا ، كي نقول إن الأردن يدفع ضريبة الحروب في المنطقة … وفيما بعد سنوطّنهم جميعا .
ماذا أقول أكثر ؟ ..إلى هنا ويكفي ..لقد تجاوزنا مرحلة البكاء , والحمد لله أننا الآن في أوج النحيب.

 * كاتب أردني ساخر.

 * (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق