مقالات

بعيدا عن سوريا لا أعرف نفسي ولا أستطيع تعريفها..!

عصام السعدي

بمسح مخيم اليرموك عن الخارطة السورية الفلسطينية أكون قد خسرت كل أمكنة ذكرياتي في سوريا.. تلك الذكريات التي تشكّل حلب وحمص ودمشق/ مخيم اليرموك أركانها الثلاثة… تهدمت هذه الأركان وراحت معها صور وروائح ومذاقات وملامِس وألحان الذكريات. كل ذلك مسحه نظام الأسد، وشبيحته، وحلفاؤه، ومن يدّعون العداء له، من أنظمة الغرب والعرب،… ومسحه معهم ذلك الاختراع الجهنّمي – المسمّى داعش – اللازم لتبرير الجريمة المستمرة منذ سنوات في بلادي الحبيبة سوريا.. مذ نزحت من فلسطين بفعل هزيمة جيوش الأنظمة العربية، في حرب حزيران 1967، لم أعرف لي وطنا سوى الأردن وسوريا… فالأردن هو وطني، الذي ولدت في فلسطين، وأنا أحمل هويته، وأعدٌّ وجودي فيه، وجودا في جزء من وطن واحد، يتكوَّن من نهر وضفتين… فكان نزوحي من “جنين” إلى “إربد” يشبه انتقالا، بين مدينتين، في بلد واحد… لكن انتقال عائلتي إلى سوريا، وأنا طفل، يتلمّس الدنيا، ومكوثي فيها، خمسة عشر عاما، جعلني أتشكّل هناك، وعيا وثقافة ومشاعر… بل وجسدا ( فلحم أكتافي من خير سوريا)… بعيدا عن سوريا لا أعرف نفسي، ولا أستطيع تعريفها… ولعلّي كنت صادقا، حين قلت في بداية الثورة السورية المغدورة : “أريد أن تتحرر القدس لأمارسَ حقّ العودة إلى دمشق” هويّتي، الثلاثية الأركان، كفلسطيني أردني سوري، تتهدّم أمام عيني، فركنان منها تحت الاحتلال، بل تحت الاحتلالات، وركنها الباقي تحيط به الدوائر، وتتقاذفه المخاطر، وأرجو الله أن ينجيه مما يحاك له… لا حزن – اليوم – كحزن من عاشوا في مخيم اليرموك… وهم يرون مفاتيح بيوتهم فيه، تبكي، مع مفاتيح بيوتهم في الجليل.. دعك من الشبيحة، الذين يبرّرون كل الجرائم بفزاعة داعش.. تلك الفزاعة التي اخترعها أعداء سوريا، يوم فاضت جنبات البلاد، برقصات وأناشيد شباب وشابّات الثورة، في طقوس صوفية، رقصات وأناشيد ترنّح منها مذعورا (بطل الممانعة) الذليل، الذي يلحس اليوم أحذية بوتين وغيره، ويضحك كأبلهٍ صفيق، على تلال جماجم أبناء شعبه، وركام بلاده… في البدء كان الاستبداد، أيها الأوغاد، أما داعشكم، فقد اخترعتموها، لاحقا، مع أعداء سوريا شرقا وغربا وعربا وعجما، لتمسحوا صورة الثورة السلمية الصوفية التي أرعبتكم… فما كان لداعش، أن تكون، لولا نظامين تافهَين طائفيين، في سوريا والعراق، شكّلا لداعش المبرر الطائفي، اللازم لوجودها.. كما شكلت هي المعادل الطائفي اللازم لهما، ولاستمرار استبدادهما. كل ما أرجوه، الآن، أن تتركوا فلسطين، وشأنها، فهي لم تعد تصلح لكي تكون مبررا لجرائمكم، بحق الشعب السوري، وبحق الشعب الفلسطيني، ولم يعد ادّعاؤكم بوضع تحريرها هدفا لكم، سوى مسخرة المساخر، وكذبة الأكاذيب. ترمون بالفلسطيني في المنافي والسجون والقبور، وتمنعون عنه سبل العيش، وتهدمون مخيماته، ثم تزعمون أن ذلك من أجل إعادته إلى وطنه المحتل.. يا لبؤسكم. ويا لحزننا الطويل. لا أريد من الهواء سوى عطور الذكريات. ولا أريد من التراب سوى جذوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق